مصر

8 ملفات حرجة كانت على طاولة مباحثات السيسي وأردوغان

تتضح معالم التعاون بين مصر وتركيا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والدفاعية، في خطوة تعكس تحولا إيجابيا في العلاقات الثنائية، بعد سنوات من الخلافات. ويبشر المستقبل بمزيد من التقارب المثمر، بما يخدم مصالحهما المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة.

الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم إلى أنقرة بدعوة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان هي الأولى من نوعها منذ وصوله إلى السلطة. وهي تدشن صفحة جديدة في علاقات البلدين بعد قطيعة دامت أكثر من عقد إثر أحداث 30 يونيو 2013.

تتوج هذه الزيارة سلسلة من خطوات تخفيف التوتر بين البلدين شهدتها الأعوام القليلة الماضية، وهي اللقاء الرابع بين الرئيسين، فقد زار أردوغان القاهرة في فبراير الماضي. وقبلها التقى الرجلان في 2022 في الدوحة خلال افتتاح بطولة كأس العالم، ثم في قمة العشرين في نيودلهي في سبتمبر 2023، ثم في القمة الإسلامية الطارئة بالرياض في نوفمبر من العام نفسه.

وفي يوليو 2023 خطت تركيا خطوة هامة لإنهاء القطيعة، فرفعت التمثيل الدبلوماسي مع مصر إلى مستوى السفراء، تلا ذلك زيارة وزير خارجيتها هاكان فيدان إلى القاهرة في أغسطس الماضي، للتحضير للزيارة المرتقبة للرئيس المصري.

إقرأ أيضا : سيناريوهات الانتخابات الرئاسية في تونس

ملفات الزيارة

جاء السيسي إلى تركيا حاملا ملفات حيوية تتعلق بالمصالح المشتركة للبلدين، يتوقع مناقشتها ضمن اجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى، الذي تم تدشينه خلال زيارة أردوغان إلى القاهرة. ويعد إنهاء التوترات السياسية التي استمرت عقدا بين البلدين أبرز هذه الملفات.

التحول في مواقف البلدين يتيح فرصا جديدة لتعاونهما سياسيا واقتصاديا، وهو ما يبدو رغبة مشتركة لدى البلدين في الوقت الحاضر إزاء التهديدات الإقليمية المحيطة.

  • أولا: غزة
    ملف غزة يحتل بلا شك مكانة بارزة على طاولة المباحثات، فالطرفان يسعيان إلى وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، وضمان انسحاب إسرائيل من غزة، وتسهيل إدخال المساعدات الدولية، التي قال الرئيس التركي في مؤتمره الصحفي اليوم مع الرئيس السيسي أن بلاده قدمت نحو 32٪ من إجماليها.
    وتتشارك تركيا ومصر الرؤية بخصوص الحل النهائي للقضية الفلسطينية، الذي يتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. وتُعد مصر طرفاً أساسياً في مفاوضات وقف العدوان الإسرائيلي، وهي تسعى لحشد دعم دولي للتخلص من الضغوط الإسرائيلية المستمرة على معبر صلاح الدين الحدودي. وفي المقابل، تعتبر تركيا شريكًا مهمًا في جهود إعادة إعمار غزة بعد انتهاء الحرب.
    ومن المتوقع أن تطلب القاهرة من أنقرة استغلال علاقاتها الوثيقة بحركة حماس لدفعها إلى مزيد من المرونة في مفاوضات وقف الحرب، ولا سيما فيما يتصل بالانسحاب الإسرائيلي من غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين، وذلك للتغلب على تعنت حكومة نتنياهو، التي تسعى لمواصلة الحرب والمفاوضات إلى أجل غير مسمى.
  • ثانيا: سد النهضة والقرن الإفريقي
    يمثل هذان الملفان أهمية قصوى لمصر، وهي تتطلع إلى دعم تركي فعّال فيهما، بما لها من نفوذ متزايد في منطقة القرن الإفريقي، اقتصاديا وعسكريا في إطار مساعيها لمنافسة القوى الإقليمية والدولية كالصين والدول الغربية.
    أبرمت تركيا اتفاقيات عسكرية مع جيبوتي في فبراير 2023، كما تملك قاعدة عسكرية كبيرة في الصومات، هي الثانية من حيث الحجم خارج أراضيها. كما أنها لعبت دوراً محورياً في دعم حكومة آبي أحمد في إثيوبيا، خلال الصراع مع جبهة تحرير شعب تيغراي. عندما أمدته بطائرات بدون طيار، ساعدت الجيش الإثيوبي على استعادة السيطرة على زمام الأمور.
    هذا الحضور التركي يعزز رغبة مصر في طلب دعم أنقرة في ملف سد النهضة. فالسيسي قد يناقش مع أردوغان إمكانية الوساطة بين مصر وإثيوبيا لحل الخلاف حول ملء السد وتشغيله دون مراعاة لاحتياجات مصر المائية. فمصر باتت تشعر بنفاد الصبر إزاء السياسة الإثيوبية المتعنتة، ما دفعها مؤخرا إلى إرسال قوات عسكرية إلى مقديشو لحماية مصالحها الإقليمية.
    ستسعى مصر أن توضح لتركيا موقفها الرافض لأي هيمنة أجنبية على البحر الأحمر، باعتباره ممراً حيوياً للتجارة العالمية الذي تشكل قناة السويس جزءاً أساسياً منه. وفي هذا السياق، تأتي المساعي الإثيوبية الحثيثة، منذ أن أصبحت دولة حبيسة في عام 1993، للحصول على منفذ بحري، وكان أحدث هذه المحاولات عبر جمهورية أرض الصومال، مما دفع مصر إلى اتخاذ خطوات عسكرية لحماية مصالحها الاستراتيجية في تلك المنطقة.
  • ثالثا: ليبيا
    كان الملف الليبي واحداً من أبرز مصادر الخلاف بين البلدين. مصر دعمت قوات المشير خليفة حفتر التي تسيطر على الشرق الليبي، في حين كانت تركيا تدعم حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا بقيادة فايز السراج، ثم حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة. استمر هذا الصراع فترة طويلة، حيث رأت القاهرة أن حفتر يمثل الاستقرار في مواجهة الفوضى المسلحة التي اجتاحت ليبيا، فيما اعتبرت أنقرة أن دعم الحكومة المعترف بها دولياً هو السبيل الوحيد لاستعادة الاستقرار.
    لكن الوضع تغير اليوم. وأصبح الخلاف حول الملف الليبي في طريقه للحل. أكد السيسي وأردوغان خلال المؤتمر الصحفي المشترك على ضرورة إخراج الميليشيات الأجنبية من ليبيا، وهو ما يعكس توافقاً جديداً بين البلدين حول ضرورة إعادة الاستقرار لليبيا.
    وتأتي هذه الخطوة في إطار تفاهمات أوسع بين البلدين حول هذا الملف، حيث بدأتا في توحيد جهودهما لدعم استقرار ليبيا ومنع تسلل الجماعات الإرهابية عبر الحدود. وبعدما كانت مصر تعتمد على دعم حفتر لتحقيق الأمن على حدودها الغربية، تبدو اليوم أكثر انفتاحاً على التعاون مع تركيا لإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية واستعادة سيادتها.
  • رابعا: غاز المتوسط
    كان هذا أحد أكثر الملفات حساسية بين البلدين. فمصر أسست منتدى غاز شرق المتوسط بالتعاون مع قبرص واليونان، وهو ما اعتبرته تركيا استفزازاً لها، وإجهاضا لمحاولاتها لترسيم الحدود البحرية لتعظيم استفادتها بثروات الغاز في شرق المتوسط، ولا سيما أنها تعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز لتلبية احتياجاتها.
    وبدأت مصر وتركيا في الأشهر الأخيرة مفاوضات لإعادة ترسيم الحدود البحرية بينهما. بهدف إنهاء الخلاف حول مناطق التنقيب عن الغاز، مع فتح الباب أمام إمكانية انضمام تركيا إلى منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يهدف إلى تعزيز التعاون بين دول المنطقة في مجال الطاقة.
    وتسعى القاهرة لأن تكون مركزاً إقليمياً لتصدير الغاز عبر منشآت التسييل في دمياط وإدكو، وهو ما قد يتحقق بالتعاون مع تركيا، التي تستورد 90% من احتياجاتها من الغاز. ولذلك فإن التعاون في هذا المجال سيفتح آفاقاً جديدة للبلدين، ويخفف الاعتماد المصري على الغاز الإسرائيلي، الذي توقفت إمداداته بسبب الحرب على غزة.
  • خامسا: السودان
    مع تصاعد الأزمة السودانية في أبريل 2023، اتخذت تركيا موقفًا داعمًا للشرعية بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي استقبلته في أنقرة في سبتمبر من نفس العام، وقد تكون دعمته عسكرياً ببعض الطائرات المسيرة، إلا أن مصر وتركيا اليوم اليوم يتفقان على أهمية حل الأزمة السودانية بالطرق الدبلوماسية، وهما تسعيان للتعاون في دعم المساعي الدولية والأممية لحل النزاع الذي يؤثر بشكل مباشر على استقرار المنطقة بأسرها.
  • سادسا: الدفاع والطائرات المسيرة
    الملف الدفاعي يحتل حيزًا هامًا في المباحثات بين السيسي وأردوغان، حيث أظهرت الحروب الأخيرة أهمية الطائرات المسيرة في تحقيق الأهداف العسكرية. وقد برزت تركيا كدولة رائدة في تصنيع تلك الطائرات، التي كان لها دور حاسم في تغيير مسار عدة نزاعات، من أبرزها خلال الحرب الروسية الأوكرانية، حيث زودت أوكرانيا بمسيرات “بيرقدار”.
    وفي إطار سعي مصر لتنويع مصادر تسلحها، باتت مهتمة بشراء الطائرات المسيرة التركية من طرازات “بيرقدار  TB2” و”بيراقدار أقنجي”، وقد زار رئيس الأركان المصري تركيا في أبريل الماضي للاطلاع على الإمكانيات الدفاعية التركية. كما تشارك تركيا حالياً في معرض مصر الدولي للطيران والفضاء، الذي يقام في العلمين، مما يعكس تطور التعاون الدفاعي بين البلدين.
  • سابعا: التعاون الاقتصادي
    على الجانب الاقتصادي، وقّعت مصر وتركيا خلال اليوم الأول للزيارة 17 اتفاقية، ما يعكس الاهتمام الكبير بملف التعاون الاقتصادي بين البلدين. ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فقد بلغت صادرات مصر إلى تركيا 2.8 مليار دولار خلال عام 2023، بينما وصلت صادرات تركيا إلى مصر إلى 3.8 مليار دولار في نفس العام. وتسعى الدولتان إلى زيادة حجم التبادل التجاري ليصل إلى 15 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الخمس القادمة.
    وتعتبر تركيا الشريك التجاري الأكبر لمصر في إفريقيا، وساهمت اتفاقية التجارة الحرة، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2007، في تعزيز حجم التجارة بين البلدين، ودمج الصناعات التركية والمصرية، ما يساعد على الوصول إلى أسواق أوروبا وإفريقيا عبر اتفاقية الكوميسا.
  • ثامنا: التعليم والصحة
    في مجال التعليم، تُعد مصر واحدة من أكبر الدول التي تضم أقساماً لتعليم اللغة التركية في جامعاتها، ويتوقع أن تبحث الزيارة تعزيز التعاون الأكاديمي بين البلدين عبر زيادة في المنح التركية للطلاب المصريين، والتعاون مع الجامعات التركية لتأسيس كلية تكنولوجيا مصرية-تركية بالتعاون مع جامعة الزقازيق.
    وفي مجال الصحة، تم الاتفاق في فبراير 2023 بين وزير الصحة المصري والسفير التركي بالقاهرة على تأسيس مستشفى تركي مصري بالعاصمة الإدارية الجديدة، بالإضافة إلى التعاون في مجال زراعة الأعضاء والتدريب الطبي المشترك.

هكذا، تتضح معالم التعاون بين مصر وتركيا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والدفاعية، في خطوة تعكس تحولا إيجابيا في العلاقات الثنائية، بعد سنوات من الخلافات. ويبشر المستقبل بمزيد من التقارب المثمر، بما يخدم مصالحهما المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى